موعد مع القدر
ألقى الصياد بصنارته في البحر الهادىء، وعند ارتطامها به، تكونت موجة صغيرة افقدت البحر هدوؤه، سرعان ماتلاشت كأن شيئا لم يكن ،كيف لصنارة حقيرة أن تفقد البحر هدوئه ؟ وضع قصبته في ركن من أركان المركب ،ثبتها جيدا لئلا تسقط ،أمسك قنينة من زجاج تعود أن يضع فيها الشاي ،إرتشف منها رشفة ،ووضعها جانبه، أشعل سيجارته ونظر إلى السماء، ياه! كم هي جميلة، لونها يأسر خاطره ،تابع سربا من النوارس يحلق بكل رشاقة فوق البحر، هذا اليم المترامي الأطراف، هو وسطه وتحت رحمته ؛هذا الجبار المتمرد ،لكنه اليوم هادء وديع، يغط في نوم عميق، كطفل صغير.
أعجبته سرعة النوارس في إصطياد الأسماك، ففي لمح البصر تغطس وتخرج حاملة سمكة، لكن في بعض الأحيان تغطس ولا تخرج أبد،ا فقد تبتلعها أسماك القرش ،لست وحدي الصياد الموجود هنا ،همهم في صمت
أكمل تدخين سيجارته وتمدد فوق ألواح مركبه، ينتظر أن تبتلع سمكة الطعم، يغلق عينيه ليتذكر يوم كان شابا مفتول العضلات، يسافر في رحلات تمتد شهورا لصيد سمك التونة العنيد، أمضى أغلب حياته متجولا ،لايحب أن يكون مقيدا بمكان أو شخص محددين، يعتبر نفسه أنه إبن البحر، والبحر أمه التي تضمه بكل رفق، لم يعتبره أبدا نده أو خصما له، بل أمه ينعته بالأم.
فتح عينيه وزفر زفرة عميقة، البحر أرحم من الحياة، فالحياة سلبته شبابه، وتركته فريسة لشيخوخة قاسية، لكن بذهابه إلى البحر ينسى الحياة، فنسيمه يعيد له عنفوانه.
فجأة، تحرك وجه البحر بعنف، وأهتز المركب بقو،ة إنقلب فوقه، أحس بأن كتفه خلعت من مكانها، لم يستطع تحريك ذراعه،رفع نظره إلى السماء، ليجد النوارس قد ابتعدت و تركته وحيدا ،أمسك قصبته التي إنحنت بقوة ،لقد أمسك بسمكة ضخم،ة يالها من سمكة! أضخم سمكة اصطادها طيلة حياته، تحرك البحر مرة أخرى بعنف، نظر إليه، ليجد جسم السمكة الضخم تحت مركبه مباشرة، تحركت بعنف، وهو ما زال يجاهد بكل ما أوتي من قوة ليمسك بالقصبة، قفزت السمكةخارج البحر، رفع عينيه لينظر إليها،ضخمة، حجمها أكبر بعشر مرات من حجم مركبه، ارتطمت بعنف بالبحر، فتكونت موجة كبيرة أغرقت الزورق، لازال يقاتل لكي لاتفلت منه، ولا زال يقاتل لكي يخرس صوتا صادرا من أعماقه، يأمره بأن يترك السمكة ترحل ،وبأنها هي من اصطادته وليس العكس ، لكنه لايستمع إليه، لم يعتد الخسارة، لم تهزمه الحياة فما بالك بسمكة ،كان يأمن بأنه يوم ينهزم ستكون النهاية ، لكنه تناسى أن النهاية لاترتبط دائما بالهزيمة، بل ترتبط أيضا بالنصر ،فجأة ضربت السمكة بزعنفتها الكبيرة القارب ،فتحطم....
بعد مرور عدت أيام،وذات صباح مشمس، والنوارس تحلق فوق البحر بكل هدوء ، لفظ البحر جثة الصياد، وهو مايزال ممسكا بقصبته المنكسرة، وفي المساء لفظ البحر تلك السمكة الضخمة .
